فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

وفي قوله: {من الذين استحق عليهم} قولان:
أحدهما: أنهما الذمّيان.
والثاني: الوليّان فعلى الأول في معنى {استحق عليهم} أربعة أقوال:
أحدها: استحق عليهم الإِيصاء، قال ابن الأنباري: المعنى: من القوم الذين استحق فيهم الإِيصاء، استحقه الأوليان بالميت، وكذلك قال الزجاج: المعنى: من الذين استحقت الوصية أو الإِيصاء عليهم.
والثاني: أنه الظلم، والمعنى: من الذين استحق عليهم ظلم الأولَيان، فحذف الظلم، وأقام الأوليين مقامه، ذكره ابن القاسم أيضًا.
والثالث: أنه الخروج مما قاما به من الشهادة، لظهور خيانتهما.
والرابع: أنه الإثم، والمعنى: استحق منهم الإثم، ونابت «على» عن «من» كقوله: {على الناس يستوفون} [المطففين: 2] أي: منهم.
وقال الفراء: «على» بمعنى «في» كقوله: {على مُلك سليمان} [البقرة: 102] أي: في ملكه، ذكر القولين أبو علي الفارسي.
وعلى هذه الأقوال مفعول {استُحق} محذوف مُقدّر.
وعلى القول الثاني في معنى {استحق عليهم} قولان:
أحدهما: استحق منهم الأوليان، وهو اختيار ابن قتيبة.
والثاني: جني عليهم الإثم، ذكره الزجاج.
فأما {الأوليان} فقال الأخفش: الأوليان: اثنان، واحدهما: الأولى، والجمع: الأولون.
ثم للمفسرين فيهما قولان:
أحدهما: أنهما أولياء الميت، قاله الجمهور.
قال الزجاج: {الأوليان} في قول أكثر البصريين يرتفعان على البَدَلِ مما في {يقومان} والمعنى: فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين.
وقال أبو علي: لا يخلو الأوليان أن يكون ارتفاعهما على الابتداء، أو يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: فآخران يقومان مقامهما، هما الأوليان، أو يكون بدلًا من الضمير الذي في {يقومان}.
والتقدير: فيقوم الأوليان.
والقول الثاني: أن الأوليان: هما الذّميان، والمعنى: أنهما الأوليان بالخيانة، فعلى هذا يكون المعنى: يقومان، إِلا من الذين استحق عليهم.
قال الشاعر:
فليت لنا مِنْ ماءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً ** مُبَرَّدَةً باتَتْ على طهيان

أي: بدلًا من ماء زمزم.
وروى قُرَّة عن ابن كثيرٍ، وحفصٍ وعاصمٍ: {استحق} بفتح التاء والحاء {الأوليان} على التثنية، والمعنى: استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها، فحذف المفعول.
وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: {استحق} برفع التاء، وكسر الحاء، {الأولين} بكسر اللام، وفتح النون على الجمع، والتقدير: من الأولين الذين استحق فيهم الإِثم، أي: جني عليهم، لأنهم كانوا أولين في الذكر.
ألا ترى أنه قد تقدم {ذوا عدلٍ منكم} على قوله: {أو آخران من غيركم}.
وروى الحلبي عن عبد الوارث {الأوَّلَين} بفتح الواو وتشديدها، وفتح اللام، وسكون الياء، وكسر النون، وهي تثنية: أوَّل.
وقرأ الحسن البصري: {استحق} بفتح التاء والحاء، {الأولون} تثنية «أوَّل» على البدل من قوله: {فآخران} وقال ابن قتيبة: أشبه الأقوال بالآية أن الله تعالى أراد أن يعرِّفنا كيف يشهد بالوصية عند حضور الموت، فقال: {ذوا عدل منكم} أي: عدلان من المسلمين تشهدونهما على الوصية، وعلم أن من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم، ويحضره الموت، فلا يجد من يشهده من المسلمين، فقال: {أو آخران من غيركم} أي: من غير أهل دينكم، [{إذا ضربتم في الأرض} أي: سافرتم {فأصابتكم مصيبة الموت} وتم الكلام.
فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصة إِن أمكن إِشهادهما في السفر] والذميان في السفر خاصة إِذا لم يوجد غيرهما [ثم قال] {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إِن ارتبتم} أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إِن ارتبتم في شهادتهما، وخشيتم أن يكونا قد خانا، أو بدَّلا، فإذا حلفا، مضت شهادتهما.
فإن عثر بعد هذه اليمين أي: ظهر على أنهما استحقا إِثمًا، أي: حنثا في اليمين بكذب في قول أو خيانة في وديعة، فآخران، أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان، وهما الوليان، يقال: هذا الأولى بفلان، ثم يحذف من الكلام «بفلان»، فيقال: هذا الأولى، وهذان الأوليان، و{عليهم} بمعنى: «منهم». اهـ.

.قال الألوسي:

وقرأ يعقوب وخلف وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر عنه {استحق عَلَيْهِمُ الأولين} ببناء استحق للمفعول، والأولين جمع أول المقابل للآخر وهو مجرور على أنه صفة {الذين} أو بدل منه أو من ضمير {عَلَيْهِمْ} أو منصوب على المدح، ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة.
وقيل: التقدم في الذكر لدخولهم في {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ}.
وقرأ الحسن {الأولان} بالرفع وهو كما قدمنا في الأوليان؛ وقرئ {الأولين} بالتثنية والنصب، وقرأ ابن سيرين {الأوليين} بياءين تثنية أولى منصوبًا، وقرئ {أساطير الاولين} بسكون الواو وفتح اللام جمع أولى كأعلين وإعراب ذلك ظاهر. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {مِنَ الذين استحق عَلَيْهِمُ الأوليان} استحق مبنيّ للمفعول، في قراءة الجمهور، وقرأ عليّ وأُبيّ وابن عباس وحفص على البناء للفاعل، و{الأوليان} على القراءة الأولى مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هما الأوليان، كأنه قيل: من هما؟ فقيل هما الأوليان.
وقيل: هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران.
وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة {الأولين} جمع أول على أنه بدل من الذين، أو من الهاء والميم في عليهم.
وقرأ الحسن {الأولان}.
والمعنى على بناء الفعل للمفعول من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم، وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم، فالأوليان تثنية أولى.
والمعنى على قراءة البناء للفاعل: من الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة.
وقيل المفعول محذوف، والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقرأ الجمهور {استُحقّ عليهم} بالبناء للمجهول فالفاعل المحذوف في قوله: {استُحقّ عليهم} هو مستحِقّ مّا وهو الذي انتفع بالشهادة واليمين الباطلة، فنال من تركة الموصي ما لم يجعله له الموصي وغَلَبَ وارثَ الموصي بذلك.
فالذين استُحقّ عليهم هم أولياء الموصي الذين لهم مالُه بوجه من وجوه الإرثثِ فحُرموا بَعضه.
وقوله: {عليهم} قائم مقام نائب فاعل {استحقّ}.
وقوله: {الأوليان} تثنية أوْلَى، وهو الأجدر والأحقّ، أي الأجدران بقبول قولهما.
فماصْدقه هو مَاصْدق {الآخران} ومرجعه إليه فيجوز، أن يجعل خبرًا عن {آخران}، فإنّ {آخران} لمّا وصف بجملة {يقومان مقامهما} صحّ الابتداء به، أي فشخصان آخران هما الأوْلَيَان بقبول قولهما دون الشاهدين المتّهمين.
وإنّما عرّف باللاّم لأنّه معهود للمخاطب ذهنًا لأنّ السامع إذا سمع قوله: {فإن عثر على أنّهما استحقَّا إثمًا} ترقّب أن يعرف من هو الأولى بقبول قوله في هذا الشأن، فقيل له: آخران هما الأوليان بها.
ويجوز أن يكون {الأوليان} مبتدأ و{آخران يقومان} خبره.
وتقديم الخبر لتعجيل الفائدة، لأنّ السامع يترقّب الحكم بعد قوله: {فإن عثر على أنّهما استحقّا إثمًا} فإنّ ذلك العثور على كذب الشاهدين يسقط شهادتهما ويمينهما، فكيف يكون القضاء في ذلك، فعجّل الجواب.
ويجوز أن يكون بدلًا من {آخران} أو من الضمير في {يقومان} أو خبر مبتدأ محذوف، أي هما الأوليان.
ونكتة التعريف هيَ هي على الوجوه كلّها.
وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب، وخلف، {الأوّلين} بتشديد الواو مفتوحة وبكسر اللام وسكون التحتية جمع أول الذي هو مجاز بمعنى المقدّم والمبتدأ به.
فالذين استحقّ عليهم هم أولياء الموصي حيث استحقّ الموصى له الوصية من مال التركة الذي كان للأولياء، أي الورثة لولا الوصية، وهو مجرور نعت «للذين استحقّ عليهم».
وقرأ حفص عن عاصم {استحَقّ} بصيغة البناء للفاعل فيكون {الأوليان} هو فاعل {استحقّ}. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بالله لشهادتنا أَحَقُّ مِن شهادتهما وَمَا اعتدينا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظالمين}
المعنى ظاهر أي وما اعتدينا في طلب هذا المال، وفي نسبتهم إلى الخيانة.
وقوله: {إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظالمين} أي إنا إذا حلفنا موقنين بالكذب معتقدين الزور والباطل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

فيحلفان بالله: لقد ظهرنا على خيانة الذميين، وكذبهما، وما اعتدينا عليهما، ولشهادتنا أصح، لكفرهما وإِيماننا، فيرجع على الذّميين بما اختانا، وينقض ما مضى من الحكم بشهادتهما تلك.
وقال غيره: لشهادتنا، أي: ليميننا أحق، وسميت اليمين شهادة، لأنها كالشهادة على ما يحلفُ عليه أنه كذلك.
قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص، والمطّلب بن أبي وَداعة السهميان، فحلفا بالله، ودُفِعَ الإناء إِليهما وإِلى أولياء الميت. اهـ.